تحقيق إخباري: كيف تعمل الخبرة الزراعية الصينية على تحسين الزراعة في ساو تومي وبرينسيبي
مع اقتراب موسم الأمطار في شهر أكتوبر، انهمكت الفتاة جامايكا مارتينز (32 عاما) في العمل بحقلها الصغير لحصاد بوك تشوي الصيني لأول مرة على الإطلاق.
وفي الجوار، كان الخبراء الزراعيون الصينيون، الذين يساعدون ساو تومي وبرينسيبي في مجال الزراعة، في غاية السعادة برؤية ثمار جهودهم، حيث أصبحوا أول المشترين للمنتجات التي تزرعها جامايكا.
وعلى عكس المحصول المزروع في الصين من نفس هذا النوع من الخضروات، فإن محصول جامايكا، في ظل المناخ المحلي، ينمو بأوراق طويلة وحجم أصغر. ورغم مظهره المختلف، تجاوزت غلة هذا المحصول الغلة من الخضروات الورقية الأخرى التي يزرعها المزارعون المحليون عادة.
بوك تشوي الصيني هو أحد أصناف الخضروات العديدة التي أدخلها فريق من الخبراء الزراعيين الصينيين، الذين أجروا تجارب ميدانية لتنويع اختيار المحاصيل في ساو تومي. وبعد تجارب امتدت لأشهر، حددوا 14 نوعا من الخضروات عالية الإنتاجية، ولا سيما الباذنجان والفلفل الحار، للمساعدة في معالجة محدودية الخيارات الغذائية وارتفاع أسعار الخضروات في هذه الدولة الجزرية.
تجدر الاشارة إلى أن ساو تومي وبرينسيبي، وهي دولة جزرية تقع في خليج غينيا قبالة الساحل الغربي لأفريقيا، مدرجة ضمن قائمة الأمم المتحدة للبلدان الأقل نموا. وفي القرن الـ19، كانت التربة البركانية والمناخ الاستوائي للجزر من عوامل الأغراء التي دفعت الحكومة الاستعمارية البرتغالية آنذاك إلى جلب الكاكاو من البرازيل. وبحلول بداية القرن الـ20، كانت الجزر أكبر منتج للكاكاو في العالم، على الرغم من أن هذا الرخاء الاقتصادي كان على حساب المجتمعات المحلية. وبسبب صناعة الكاكاو الضخمة، لم تُخصص سوى موارد قليلة لزراعة المحاصيل والخضروات في الجزر.
ولا يزال تأثير مثل هذه الهياكل الاقتصادية الاستعمارية واضحا حتى اليوم. فأكثر من نصف الغذاء في ساو تومي وبرينسيبي يستورد الآن، وأكثر من نصف سكانها يعانون من انعدام الأمن الغذائي الذي يتراوح بين المعتدل والشديد، حسبما أفادت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
بالنسبة لجامايكا وعائلتها، تمثل الزراعة تحديا وضرورة في آن واحد. فقطعة الأرض الصغيرة التي يملكونها وتقل مساحتها عن فدان واحد عند سفح تل في قرية نوفا موكا، هي نتيجة عمل شاق لأنها الأكثر تسطحا في المنطقة.
وقد استفادت جامايكا أقصى استفادة من قطعة الأرض هذه. فنصف مساحة أرضها تُزرع بالفلفل الحلو، وهو محصول ثمين يمكن أن يباع بسعر يصل إلى 10 دولارات أمريكية للكيلوغرام الواحد، ما يجعله من أغلى الخضروات في السوق المحلية.
وذكرت جامايكا أن “الخبراء الصينيين علموني كيفية تحسين زراعة شتلات الفلفل الحلو، وهذا ساهم في زيادة محصولي تقريبا إلى الضعف”، مضيفة بقولها “لقد أرشدوني إلى كيفية استخدام الحشائش في صنع الأسمدة العضوية، وهذا حسَّن التربة وقلَّل حاجتي إلى الأسمدة الاصطناعية”.
وبتوجيه من الفريق الصيني، بدأت جامايكا أيضا في زراعة الكوسا، وهي محصول آخر عالي القيمة أدخله الخبراء الصينيون. فسعر الكوسا في السوق المحلية يضاهي سعر الفلفل الحلو وقد حسَّن الدخل الوضع المالي لعائلتها.
يعمل بنغ جي، أحد الخبراء الصينيين المتخصصين في زراعة الخضروات، بشكل وثيق مع مزارعين مثل جامايكا منذ وصوله إلى ساو تومي في أغسطس 2023.
وقد تحدث بنغ قائلا “هدفنا هو استخدام الموارد المحلية وإدخال تقنيات زراعية أفضل لمساعدة المزارعين على تحسين الغلة والدخل”.
جنبا إلى جنب مع زملائه، قام بنغ بإجراء تجارب زراعية وإنشاء حقول تجريبية وتعليم المزارعين أساليب جديدة ومستدامة للزراعة.
ومنذ عام 2017، تقدم الصين المساعدة لساو تومي وبرينسيبي في تنميتها الزراعية. ومن خلال مشروع شامل للمساعدة الفنية في مجال الزراعة وتربية الماشية، دأب الخبراء الصينيون على العمل مع السلطات المحلية لتحسين الممارسات الزراعية.
على مدى السنوات السبع الماضية، عملت أربعة فرق من الخبراء الصينيين، المتخصصين في مجالات تتدرج من زراعة الخضروات وصولا إلى تربية الحيوانات وتجهيز الأغذية، في المشروع، وكانت النتائج مبهرة.
وقد أنشأ الفريق الصيني قواعد تجريبية للثروة الحيوانية والطب البيطري، ومناطق لزراعة المحاصيل عالية الغلة، ومراكز لتربية الدواجن. وأصبحت قريتان، من بينهما نوفا موكا، موقعين نموذجين للتخفيف من حدة الفقر، وكشفتا بذلك الفوائد التي تجلبها التقنيات الزراعية الحديثة للمجتمعات الريفية.
ومن جانبه ذكر دوان تشن هوا، رئيس الفريق الزراعي الرابع، أن هذه المنصات سمحت بتبني التكنولوجيات العملية على نطاق واسع. ونتيجة لذلك، شهد مزارعون مثل جامايكا ارتفاع دخولهم. وفي نفس السياق، قال أبيل دا سيلفا بوم جيسوس، وزير الزراعة والثروة السمكية والتنمية الريفية في البلاد، إن “التنمية الزراعية في ساو تومي وبرينسيبي تبدأ بتدريب الناس على العمل بفعالية مع الأرض. كما يلزم أن يكون المزارعون مجهزين تجهيزا جيدا بالمعرفة. والتدريب أمر بالغ الأهمية في هذا الصدد”.
وأضاف جيسوس أن هناك عاملا رئيسيا آخر يتمثل في ضرورة توافر مدخلات زراعية مثل البذور والأسمدة والتقنيات الجديدة لمكافحة الآفات والأمراض. فهذه هي القضايا الأكثر إلحاحا بالنسبة لنا لأننا بينما نمتلك الأرض والمياه، فإننا بحاجة إلى التكنولوجيا الحديثة لبدء عصر جديد في قطاع الزراعة لدينا”.
وقد أعرب جيسوس، الذي قام بعدة زيارات إلى الصين، عن إعجابه بشكل خاص بالتحديث الزراعي في الصين.
وأشار إلى أن “الدورات التدريبية التي يجري تقديمها ستعزز مهارات مزارعينا وتزيد الإنتاج. فاليوم أصبحت الزراعة علما، وبدون معرفة علمية، فإننا نخاطر بالانخراط في ممارسات ضارة من شأنها أن تلحق الضرر بالتربة وتضيع الوقت. ومن خلال التدريب المناسب، سيتمكن المزارعون من إنتاج محاصيل ذات جودة أعلى مع الحفاظ على البيئة أيضا”.
وأكد قائلا “الصين هي شريكنا الرئيسي في مساعدتنا على الوصول إلى مستوى التنمية الزراعية الذي نطمح إلى تحقيقه”.