تعليق: أي دلالات استراتيجية لانضمام دول الشرق الأوسط إلى مجموعة بريكس
صحيفة الشعب الصينية:
حققت مجموعة دول بريكس توسعا تاريخيا في بداية عام 2024، بضم عدة أعضاء جدد. ومن بين المنضمين حديثا، كان هناك أربع دول ملفتة من الشرق الأوسط، وهي: الإمارات ومصر والسعودية وإيران. بالإضافة إلى ذلك، أعربت كل من الجزائر والكويت والبحرين والمغرب وسوريا وفلسطين وتونس والسودان وتركيا وعدة دول أخرى، عن رغبتها في الانضمام إلى بريكس.
في هذا الصدد، يرى تانغ تشي تشاو، مدير مركز أبحاث التنمية والحوكمة في الشرق الأوسط التابع لمعهد دراسات غرب آسيا وأفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن هذا التعبير الجماعي عن إرادة دول الشرق الأوسط، لا يمثل علامة فارقة في مسيرة تطور آلية بريكس فحسب، بل يمثل كذلك أهمية كبيرة بالنسبة للشرق الأوسط والعالم.
وقال تانغ تشي تشاو في مقال نشره في صحيفة تشاينا ديلي، أنه في ظل تسارع وتيرة التعددية القطبية العالمية والإقليمية واحتدام المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى، فإن اختيار دول الشرق الأوسط الانضمام إلى مجموعة بريكس لا يعكس التغيرات الإقليمية فحسب، بل يعكس أيضًا تنامي الثقة والاستقلالية الاستراتيجية لهذه الدول، خاصة في سياق توازن القوى الجديد الناشئ في الشرق الأوسط.
ويعتقد تانغ تشيتشاو أن الصعود المستمر لـ “الجنوب العالمي” ممثّلا في دول بريكس، يتماشى مع الاحتياجات الاستراتيجية لدول الشرق الأوسط. حيث شكل الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس 32.1% من الإجمالي العالمي في عام 2023، متجاوزاً مجموعة السبع والتي بلغت حصّتها 29.9%.
منذ بداية القرن الحادي والعشرين، أصبحت دول بريكس شريكا مهما بالنسبة لدول الشرق الأوسط في مجال التجارة والطاقة. وباتت الصين، على وجه الخصوص، أكبر شريك تجاري لدول الشرق الأوسط. وفي عام 2022، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين ودول الشرق الأوسط 507.152 مليار دولار أمريكي، بمتوسط نمو سنوي ناهز 15% خلال السنوات الخمس الأخيرة. فيما تشهد التجارة بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي نموّا مطردا. حيث حقق حجم التجارة الثنائية بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي 154.66 مليار دولار أمريكي، في عام 2021/2022، بمتوسط معدل نمو سنوي قدّر بـ 10.57% خلال السنوات الخمس الأخيرة. بالمقارنة مع ذلك، بلغ حجم التجارة الأمريكية مع دول الشرق الأوسط 212 مليار دولار في عام 2022. كما حلت الصين والهند محل الدول الغربية كأهم وجهتين لتصدير النفط الخام الشرق أوسطي. وبموجب آلية التعاون “أوبك+”، أصبحت روسيا شريكا استراتيجيا لمنظمة أوبك.
على ضوء هذه البيانات، يمكن القول إن انضمام دول الشرق الأوسط إلى مجموعة بريكس، يمثل توجها استراتيجيا لهذه الدول لبلوغ أقصى مستوى من الإشباع لمصالحها. حيث تبقى الاعتبارات الاقتصادية، أولوية هذه الدول من الانضمام للمجموعة الناشئة. وتتطلع من خلالها إلى توسيع وتعميق التعاون مع مختلف دول المجموعة بما يعود عليها بالفائدة.
ولا يخفى على المراقبين، أن التنمية الاقتصادية تعدّ المهمة المركزية والأولوية الاستراتيجية، بالنسبة لمصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران. وتمتلك هذه الدول تكاملا استراتيجيا مع دول بريكس. وتمكنها هذه الآلية من النفاذ إلى استثمارات وأسواق ضخمة دون ضغوط أو التزامات سياسية.
ومن منظور سياسي، تأمل دول الشرق الأوسط من خلال الانضمام إلى مجموعة بريكس في تعزيز مكانتها الدولية. وإعلاء صوتها في الشؤون العالمية، وتوسيع نفوذها الإقليمي. وفي سياق المنافسة بين القوى العظمى، لدول الشرق الأوسط من خلال الانضمام إلى بريكس، تمتين علاقات مع القوى العظمى والتحوط ضد الضغوط.
ولذلك، يمكن القول دوافع انضمام دول الشرق الأوسط إلى مجموعة بريكس معقدة ومتنوعة. لكنها تعكس بشكل عام الاتجاه الاستراتيجي الجديد للتنمية الإقليمية، وتعكس الفهم الجديد لدى دول المنطقة حيال التغيرات الطارئة على النظام العالمي، والبنية الجديدة للسلام والتنمية في الشرق الأوسط. وهذا لا يعكس الرغبة القوية لدول المنطقة في تسريع التنمية فحسب، بل يشي كذلك بطموح هذه الدول للعب دور أكبر في الشؤون العالمية والإقليمية. ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران ليست قوى كبرى في الشرق الأوسط فحسب، بل تلعب أيضًا دورًا مهمًا في الساحة السياسية والاقتصادية العالمية. يبلغ عدد سكان الدول الأربع حوالي 230 مليون نسمة، وتبلغ مساحة أراضيها حوالي 5 ملايين كيلومتر مربع، كما تفع في مراكز تقاطع طرق النقل العالمية. هذا إلى جانب امتلاكها لموارد طاقة وفيرة. حيث تستحوذ كل من إيران والسعودية والإمارات على 32% من احتياطي النفط الخام المؤكد في العالم و25% من احتياطي الغاز الطبيعي المؤكد في العالم. وتحتل مكانة محورية في خريطة النفط العالمي وسوق الغاز. كما تتمتع هذه الدول بنفوذ مهم في الشرق الأوسط، وإفريقيا، وآسيا الوسطى والقوقاز، والعالم العربي الإسلامي، والدول النامية.
لا شك أن انضمام دول الشرق الأوسط الأربع إلى بريكس، سيسرع من تحوّل المجموعة ويدفعها إلى توضيح هويتها الجديدة. وفي هذا الصدد، أشار تانغ تشي تشاو إلى أن مجموعة بريكس ستحتاج في المستقبل إلى وضع ثلاث هويات رئيسية، وهي: ريادة التنمية العالمية، تزعّم “الجنوب العالمي”، وتوفير منصة مهمة للحوكمة العالمية. وسيساعد انضمام الدول الأربع على تعزيز مكانة دول بريكس في المجالات السياسية والاقتصادية والطاقة والمالية العالمية، إلى جانب تعزيز التمثيل العالمي للبريكس في “الجنوب العالمي”، وخلق توازن استراتيجي عالمي، ووتنويع المشهد الدولي. كما سيمكن بريكس من لعب دور أكبر في غرب آسيا وأفريقيا والعالم الإسلامي، ويعزز قدرة دول بريكس على التعامل مع القضايا الإقليمية الساخنة والمعقّدة.