جُسور الصَدَاقة: أنيل كومَار هِنديُ المَلامِح سُودانيُ المِيلاد والطِبَاع
موقع الصين بعيون عربية – أُسامة مُختار- بِكين:
من مذكرات مايكرفون
هِنديُ السِحنَة والملامح سُوداني المِيلاد، يتحدَّثُ بلسان عربي فَصيح ولهجةٍ سودانيةٍ مميزة ، إنَّه الدكتور الطبيب أنيل كومارشوتلالي مِيتاني، من مَواليدِ ود مدني لأبٍ وأم هِندييَن، وهوأب لبنتٍ وولدٍمُتزوِجَيْن، جاء “كومار” والدُ أنيل إلى السودان تاجرا عام “1921 م “عبر بَوابة ميناء سواكن المُطِل على البَحر الأحمر .
دَرسَ أنيل كومار المرحلة الابتدائيَّة بمدينة ود مدني السُودانية والإعدادي وكليَّةَ الطب بمدينة الإسكندريَّة المصرية ،جلستُ للدردشة معه عبرَ لقاءٍ لـ(إذاعة الصين الدولية من بكين) في برنامج “تبادلاتٌ ودية” وكانَ البرنامجُ يحكِي عن انطباعات الأجانب عن الصِين بالإضافة إلى قِصص صينية في البلدان العربية، ويُركزُ على تعزيز أواصرِ الصداقة ودفع ِالعلاقات الوُدية الراسخة بين الشعب الصيني والشعوب العربية .
وحَرَصْتُ على لقائي الإذاعي معه في هذا البرنامج لأنَّه صاحبُ تَجربة دراسيةٍ وعلميةٍ سابقة في الصين تتلاءم وطبيعة البرنامج ،وتَشعَّبَ حديثُنا مُتنَاوِلا حياتَه في السودان وجُذورَه في الصين ومواضيعَ أُخرى .وتَعودُ قصة لقائِي به في عيادتِه آنذاك في مدينة أمدرمان بعد إجرائه لي عَملية جراحية بمستشفى طيبة الخاص لإزالة كيسٍ دُهْنِي من على جَبهتِي في إجازتي السنوية عام 2013م وذلك بمشورةٍ ونَصِيحَةٍ من صديقِه المُقَرَّب وزميلي العزيز المُعلِق الرياضي صلاح أحمد على الذي عرَّفنِي به .
وجدْتُ دكتور أنيل أنيقا بشوشا مَرحا، حلوا حَديثه كطعم المانجو الهندية أنيسا ذا فُكَاهة بنكهة ِبُهاراتِ الهند، ومجلسه عَبِقا برائحة العُود والبخور الهندي إنَّه ” وَجهُ غاندي وصَدى الهِند العَميقة “كأنَّما يتمثلُ لحنَ وغناءَ الكابلي في قصيدة ” آسيا وأفريقيا “لشاعرنا تاج السر الحسن التي استخدَمْتُ مقاطعَ مِنها في برنامجِي الذي قدمتُه.
وكما يقولُ في إفادتِه خلال البرنامج سَمَّاه والدُه بأنيل تيمنا بنهر النيل الخالد الجميل ، فهو مُتيم بهَوى السُّودان وأهلِه، وعاداتِه وطباعِه وتقاليدِه ، ويقول إنَّ حُبَّه للسودان لا نِهايةَ له ، ويَتمَنى له كلَّ الخير والتقدم والازدهار والسلام والرخاء ، ولأنيل كومار حبٌّ خاصٌ وذكرياتٌ في الصين حيث تَخَصَصَ في جِراحةِ المَسالِك البَوليَّة بجُمهوريَّة الصين الشعبية لمُدة (5) أعوام ، مِنها عام في بكين بينما قضى أربعة أعوام أخرى في قوانجو جنوب الصين أجادَ خِلالَها اللغةَ الصينية تحَدُثا وكتابة.
عمِل أنيل خِلال عُمرِه المِهني في عددٍ من المُستشفيات الحُكوميَّة تَولى إدارةَ مركز صِحِّي سجن كوبر، وعَمِل مديرا عاما لمُستشفى الخُرطوم التعليمي، وطبيبا بمجلس الوزراء ومُستشفى الشعب ووزارة العمل والعديد من المستشفيات، وكان أولَ مدير طبي لمستشفى الصداقة الصِيني عام 1993م، وهو طبيبٌ استشاري وعضو مجلس التَخصُصَات الطبية السوداني ، وعضو في مجلس الصداقة الشعبية السودانية الهندية، وطبيبٌ للسفارة الهندية بالسودان كما عمل طبيبا باللجنة الأولمبية السودانية من 1994م إلي 2014م وطبيبا استشاريا لِنادي الهلال لمدة ثلاثِ سنوات.
إلى جانب ذلك هو رجلٌ اجتماعي من طرازٍ فريد وناشطٌ في العمل الطَوعِيّ، قدَّم مساعدات إنسانية مُقَدرة لعدد من المناطق أثناء الفيضانات والكوارث بصِفته رئيسا للجالية الهندية ووفرَّ وَحداتٍ طبيه صِحية في أطراف أمدرمان وأعدَّ افطارات رمضانية جماعية في النادي الهندي بأم درمان.
ويرى أنيل أن َّهناك تَشابُها في العادات بين الشعبين الهندي والسوداني حتى في الأزياء النسائية كالثَوبِ السوداني والساري والعُطور الهندية .وعن علاقته بموطن وجذور أجدادهِ الهند وهل يزورُها؟ يقول أنيِل لم أعشْ فيها ولكنِّي أُسافر إليها في العُطلات أو لزياراتٍ علمية وجيزة وزيارات بعض الأقارب ولا أشعر بالحَنِين إليها، ويُواصِلُ حديثَه باسما ويقول : خلال الخمسة أعوام التي قضيتُها بالصين كنتُ أحِنُّ إلى السُّودان كثيرًا وأجدُ نفسِي حاملاً حقيبتي في كلِّ عُطلة مُيمِما وجهي صوبَ السودان بالرغم من قُربي حينَها جُغرافيا من الهند الدولة الجارة للصين.
في تقدير ورؤيةِ أنيل أنَّ مِهنة الطب تتطلبُ من مُمارسِها أن يكونَ مِلْكَا للآخرين وليس لشخصِه وأن يكون صَبورا ذا نَفس طويل يُلبِي رغبات المَرضى والمُرافقينَ لهم ، وخلال مَسيرتِه الطويلة في هذه المهنة العظيمة دائما ما يشعر بفخر عندما يرى تلاميذَه الذين حاضرهم في الجامعات ودَرَّبَهم على يديه في الجامعة كما كان يفخر به أساتذتُه كيف لا؟ وهوكانَ مُتفوقا مُنذ سِنِي دراسته فقد كان أول دفعته في امتحانات الشهادة السودانية للعام1967م ، وأثناء لقائي به قدَّم شكرَّه لأساتذتِه العلماء الذين تعَلَّمَ منهم طب دراسة جراحة المسالك البولية في السودان، ومنهم دكتور عثمان عبد الكريم ، وفي الصين بروفسور تشنغ كيلي Zheng ke li وداى يوبينغ Dai yuping وبروفسورتشنغ Qin zi ke في جامعة جونغ شان اي كه. zhongshan yi ke daxue والتي تحمل اسم الثوري الصيني القديم (صن يات صن).
وتحدَّثَ عن فترة دراستِه في الصين “2001 -1997 م” وما أضافتْه لحياتِه العلمية حيث النظام الصارم والدقيق يفرضُ نفسَه وفق منهج تعليمي يضع حياة المريض فوق كلِّ اعتبار، وشدَّ ما أعجبَه تقدير الأطباء لبعضِهم وفق التراتُبِية الوظيفية والعلمِ والخِبرة واحترامهم للمهنة ، وأشاد بالتقدير العالي الذي وجده من أساتذته وزملائه على السواء.وأشار إلى علاقته بالأطباء الصينيين وزملاء دراستِه في الجامعة الصينية، منهم وورونق بي Wu rong pei ودكتور سون، ودكتور شو ودكتور جونسون ، وصينيين آخرين عمل معهم في مستشفى الصداقة الصيني بالسودان، وكيف أنَّه اكتسبَ تعلمَ اللغة الصينية في الجامعة الصينية واحترامَ المواعيد واتقان العمل ، ومن باب الوفاء مازال يتواصلُ حتي الآنَ مع أصدقائه وزملاءِ دراسته الصينيين رغم بُعدِ السنين التي قضاها معهم ،ووصف فترة إدارته لمستشفى الصداقة الصيني بأمدرمان بالمُمَيزة والحبيبة إلى قلبِه ووجَّه كلمةً شكر مؤثرة للشعب الصيني بلُغَتِهم في خِتام اللقاء.
وقبل كتابة هذه الذِكريات عنَه بأيام أرسل لي دكتور أنيل مقطعا عبر “الواتساب” من أغنية لفنانِه المُفضَل زيدان إبراهيم الذي يعشقُ أغانيَه ومباشرة تواصلتُ معه عبر الهاتف متفقدا أحوالَه ووجدْتُ أنَّه غادر السودان ويُقيِمُ هذه الأيام في ولاية “غوجرات” الهندية مُبتعِدا عن جَحِيم الحرب يعتصرُه الألم، ويملأ صوته الحزن والأسى والاشفاق لما آلتْ إليه الأوضاع في البلاد، وتمنى أن تتوقف الحرب سريعا ليعود إلى مراتعِ نشأتِه وصِباه وذكرياتِه وحبِّه الأول والأخير السودان الحبيب.
أسامة مختار
مجموعة الصين للإعلام