رأي ضيف: التنمية الخضراء الصينية مسار عالمي إلى الاستدامة
بقلم: رانيا أبو الخير
منذ سنوات، تبنت الصين نهجا تنمويا يركز على التنمية الخضراء، وخاصة مع إطلاق التحالف الدولي للتنمية الخضراء للحزام والطريق على هامش انعقاد منتدى الحزام والطريق الثاني للتعاون الدولي في أبريل عام 2019.
وتؤكد هذه المبادرة التزام الصين بالمفهوم الجديد للتنمية الخضراء، داعية إلى أسلوب الحياة الخضراء والمنخفضة الكربون وإعادة التدوير المستدام، لتعزيز التعاون في مجال حماية البيئة وبناء الحضارة الإيكولوجية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.
وقد انطلق هذا التحالف الدولى للتنمية الخضراء للحزام والطريق من الوعى بالتداعيات السلبية للتغير المناخى من خلال تبنى نمط التنمية الخضراء الذي يستهدف تحقيق أكبر الفوائد الاقتصادية والاجتماعية بأقل أعباء وتأثيرات سلبية ناتجة عن زيادة استخدامات الطاقة، بما يستوجب العمل إما التوسع في استخدامات الطاقة الجديدة والمتجددة أو العمل على تقليل استخدام أنواع الطاقة كثيفة الكربون.
في بداية سياسة الإصلاح والانفتاح، اعتمدت الصين بشكل رئيس على الطاقة الأحفورية في تسريع عمليات التنمية والتصنيع. وفي وقت لاحق، انطلاقا من مسؤوليتها كقوة اقتصادية كبيرة، أعادت الصين النظر في نموذجها التنموي من خلال تبني نهج التنمية الخضراء منخفضة الكربون بما يتناسب مع الخطط التنموية العالمية في إطار رؤية الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030.
وبالإضافة إلى السياسات المحلية، عملت الصين أيضا بنشاط على تعزيز التعاون الدولي في مجال التنمية الخضراء مثل إطلاق التحالف الدولي للتنمية الخضراء للحزام والطريق وهو عبارة عن شبكة دولية مفتوحة وشاملة وتطوعية تجمع الخبرات البيئية من جميع الشركاء المشاركين.
وتتمثل مهمة التحالف، الذي يضم أكثر من 170 شريكا من أكثر من 40 دولة، في دمج التنمية المستدامة، ولا سيما الاستدامة البيئية، عبر الأولويات الخمس لمبادرة الحزام والطريق المتمثلة في دفع الترابط في مجالات السياسات والبنية الأساسية والتجارة والتمويل والروابط الشعبية.
ومن الجدير بالذكر أن هذا التحالف الدولي للتنمية الخضراء للحزام والطريق حظي باهتمام كبير من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، الذي أكد أن هذه المبادرة فرصة سانحة يمكن للأمم المتحدة من خلالها مساعدة البلدان المتلقية على استخدام استثمارات الحزام والطريق لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز التنمية الخضراء عبر التعاون المشترك بين المنظمة الأممية والصين لدعم الاستثمارات الخضراء في مختلف دول العالم.
وخلال القمة الصينية العربية الأولى في عام 2022، اقترحت الصين ثماني مبادرات تعاون رئيسة مع الجانب العربي، بينها الاقتراح بإنشاء مركز أبحاث دولي مشترك لمكافحة الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي، وآخر للتعاون في مجال تنمية الطاقة المتجددة.
وحرصت الصين أيضا على العمل على بناء شراكات مع دول المنطقة في مجال تعزيز تحول الطاقة المحلية من خلال الاستفادة من الخبرة والتكنولوجيا الصينية، من أمثلة ذلك: استكمال المرحلة الثالثة من مشاريع الطاقة الشمسية المركزة “نور” التي بنتها الشركات الصينية في المملكة المغربية، وتعد واحدة من أكبر محطات توليد الطاقة البرجية في العالم، بقدرة مركبة تبلغ 160 ميجاوات، وإنشاء أكبر مشروع للطاقة المتجددة في عمان، وأكبر مشروع لتخزين الطاقة في العالم على ساحل البحر الأحمر في السعودية.
ولعب التعاون المالي أيضا دورا محوريا على غرار ما قام به بنك أبو ظبي الأول بإصدار أول سندات خضراء باليوان الصيني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدعم المشروعات الخضراء المؤهلة في الدول ذات الصلة.
وفى هذا الخصوص، يجدر الإشارة إلى حجم التوافق المصري الصيني في مجال التنمية الخضراء، إذ أطلقت مصر المنصة الوطنية لبرنامج “نُوَفِّي” وهي مبادرة رئاسية مصرية تم إطلاقها خلال مؤتمر كوب27، وتُعد بمثابة تطبيق عملي لمبادئ التمويل العادل ونموذج فعال لتعظيم الاستفادة من الموارد الإنمائية والتمويلات الميسرة للتعامل مع قضايا التكيف والصمود والتخفيف أمام التغيرات المناخية.
وتعكس المنصة حرص مصر على تعزيز العلاقة الوطيدة بين التنمية والعمل المناخي، وهو ما ظهر جلياً في صياغة الاستراتيجية الوطنية الشاملة للتغيرات المناخية لعام 2050. وتتضمن الاستراتيجية 5 أهداف رئيسة وتبرز التناغم بين الأهداف المناخية وأهداف التنمية المستدامة وأجندة 2030.
وتمثل هذه المنصة كذلك نقطة مهمة للتواصل بين الرؤية الصينية في مجال التنمية الخضراء والأولويات الأفريقية، إذ يجمع الجانبين اهتماما كبيرا بالعمل في هذا المجال التنموي.
وتظهر بيانات رسمية صينية أن الصين نفذت المئات من مشاريع توليد الكهرباء بالطاقة النظيفة والشبكات الكهربائية في إفريقيا، من بينها عدد من المشاريع البارزة في جنوب إفريقيا وكينيا ورواندا وغيرها، والتي ساهمت في تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين وتعزيز التنمية الصناعية وإتاحة فرص جديدة لتنوع الاقتصاد في القارة الإفريقية.
نهاية القول إن التزام الصين بتعزيز التنمية الخضراء في الداخل والخارج يقدم نموذجا تحويليا لتحقيق استدامة الطاقة وتعزيز التنمية الشاملة في مواجهة تحديات تغير المناخ.
فمن خلال أجندة عمل تراعي الأولويات التنموية للاقتصادات الناشئة، تضمن الصين الوصول العادل إلى الموارد المالية والحلول التكنولوجية. ويمكن للجهود المتضافرة من كافة الأطراف المعنية أن تدفع قدما بالأجندة العالمية للتنمية المستدامة والعمل المناخي، ما يرسي الأساس لمستقبل أنظف وأكثر مرونة وازدهارا.
ملحوظة المحرر: رانيا أبو الخير هي الأمين العام للمنتدى العالمي للدراسات المستقبلية.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتبة.