الدورتان السنويتان في الصين: قِمةُ صناعةِ القرار ورسمِ المُستقبل
خاص موقع الصين بعيون عربية –
أسامة مختار – بكين:
في مطلع مارس 2025م هذا العام وكما جرَت العادة سنويا، اتجهتْ أنظارُ الصين والعالم نحو الحدث السياسي الأبرز والأهم: (الدورتان السنويتان) الأساس المحوري لصُنع القرار والتشريع في جُمهورية الصين الشعبية، حيث يجتمع أرفع ممثلي الشعب الصيني لرسم مَسارِ التنمية واتخاذ قرارات مِفصلية تؤثرُ في حاضر البلاد ومستقبلها.
مُسَمَى الدورتين:
———————
تشمل الدورتان الهيئتين السياسيتين الرئيسيتين في الصين:
المجلس الوطني لنُواب الشعب الصيني، أعلى هيئة تشريعية، يَضمُ في دورته الرابعة عشرة الحالية نحو 3000 نائب، يُناط بهم انتخابُ القادة الوطنيين، وإقرارُ القوانين، والموافقةُ على الميزانيات وخطط التنمية الكبرى.
المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، هيئة استشارية تَضمُ أكثرَ من 2000 مستشار، يضطلعون بمهمة تقديم المشورة السياسية، وتعزيز التعاون بين الأحزاب، وطرح الرؤى حول القضايا الوطنية الكبرى ومناقشة إنجازات الحكومة، التحديات، والسياسات المستقبلية، وشهد الجلسة الافتتاحِية الرئيس الصيني شي جين بينغ وكبار قادة الصين.
تُعقدُ الدورتان بالتوازي سنويًا، وتستمر ولاية كل من الهيئتين خمس سنوات، في مشهد يجسّد حيوية النظام السياسي الصيني ويوفر مِنصة لاتخاذِ قرارات مصيرية تشكلُ ملامح المستقبل.
الاقتصاد في صدارة الأولويات
———————
الصين تؤدي دورا رئيسيا في الاقتصاد العالمي وتؤثر بشكل كبير على الأسواق والتمويل والتجارة الدولية، في عام 2025، نجحت الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي في الحفاظ على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5%، بفضل تنسيق سياساتها الاقتصادية.
وبالرغم من تباطؤ النمو العالمي وارتفاع النزعة الحمائية التجارية، مما أثر على استقرار سلاسل الإمداد والإنتاج، إلا أن الصين واصلت ترسيخ مكانتها كمُحرك رئيسي للنمو الاقتصادي العالمي، مدفوعة بالطلب المحلي كمحفز أساسي.
ووفقًا لتقرير أعمال الحكومة ستُصدر سندات خزانة خاصة بقيمة 300 مليار يوان لدعم تجارة السلع الاستهلاكية. كما تُعزز الصين دورها في التجارة الدولية عبر مبادرات مثل “الحزام والطريق”، في آسيا وأفريقيا وأوروبا، وبذلك يزداد تعاونها الاقتصادي عالميًا وتستمر في مكانتها كقوة اقتصادية لا غنى عنها.
تحفيز الاستهلاك الداخلي
———————
تمتلكُ الصين بلد المليار ونصف المليار مواطن أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم، وفي مواجهة هذه التحديات العالمية، أصبحت الدورتان نقطة تحول رئيسية لإيجاد حلول اقتصادية. ويُتوقع أن يتم توسيع السياسات المالية لتوفير مزيد من الدعم، وتبني سياسات لزيادة الطلب الداخلي.
في عام 2024، ساهمت السوق الاستهلاكية بأكثر من 48 تريليون يوان، مما يؤكد إمكاناتها الهائلة، وفي عام 2025، قد ركزت الحكومة على مجالات جديدة مثل “اقتصاد كبار السن” و”الأجهزة المنزلية الذكية”، وتعزيز الاستهلاك بين فئات الطبقة الوسطى.
اقتصاد كبار السن والأجهزة الذكية
———————
مع زيادة معدل الشيخوخة في الصين، تتوسع سوق “اقتصاد كبار السن”، وتزداد احتياجاتهم في مجالات الرعاية الصحية والاجتماعية والترفيه. على سبيل المثال، أطلقت العديد من الشركات أجهزة ذكية مخصصة لمراقبة صِحة كبار السن، مثل الأساور التي تُتابع مُعدل ضربات القلب وضغط الدم، وقد شجعت السياسات الحكومية الشركات على الاستثمار في هذا المجال، مما وفر نقطة نمو جديدة للاقتصاد.
في مجال الأجهزة المنزلية الذكية، تتزايد عمليات دمج تقنيات مثل إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، كما يُمكن للحكومة أن تتبنى سياسات مثل الإعانات والخصومات الضريبية لتحفيز المستهلكين على شراء هذه المنتجات، الأمر الذي يساهم في دفع نمو هذه الصناعة وتعزيز الاستهلاك.
الابتكار التكنولوجي والنهضة الريفية
———————
يُعد الابتكار التكنولوجي القوة الدافعة للتنمية عالية الجودة. وأكدت الدورتان أهمية الاعتماد على الذات في مجال التكنولوجيا، وزيادة الاستثمارات في مجالات البحث الأساسي والتقنيات المتقدمة، ودعم الشركات لتكون محفزًا للابتكار، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الشرائح الإلكترونية والبرمجيات والتكنولوجيا الحيوية، أما في مجال النهضة الريفية، فتابعت أعمال الدورتين تطوير الصناعات الريفية، وترقية البنية التحتية في المناطق الريفية.
حماية البيئة وضمان رفاهية الناس
———————
حماية البيئة جزء لا يتجزأ من التنمية المستدامة. أوصت الدورتان بالمزيد من التدابير الخاصة بحماية البيئة في هذا العام، ومواصلة دفع التحول الأخضر وتحقيق أهداف “ذروة الكربون” و”الحياد الكربوني” فبرغم التحديات، تقود الصين مجال الطاقة المتجددة وتسعى لتنمية خضراء ومستدامة، مما يؤكد التزامها بمكافحة التغير المناخي وحماية البيئة.
فيما يتعلق بضمان رفاهية الناس، ستشمل المجالات التعليم، والرعاية الصحية، والإسكان. ومن المتوقع أن يتم تعزيز تكافؤ الفرص في التعليم، وتحسين توزيع الموارد التعليمية، وزيادة قدرة الرعاية الصحية في المناطق الريفية، وإصلاح طريقة دفع التأمين الصحي، وتعزيز استقرار سوق العقارات.
خاتمة
———————
مثّلت الدورتان السنويتان لعام 2025 منعطفًا مُهمًا في رسم ملامح مستقبل الصين، حيث وضعت أُسسًا جديدة لمسار التنمية، حاملةً معها وعودًا بفرص واعدة وتحولات إيجابية في حياة الشعب. فقد ركزتْ على تمكين المواطنين من جني ثمار الإصلاح والتنمية، والارتقاء بجودة الحياة، وتحقيق الرفاهية المشتركة. ولم تكن هذه الرؤية مقتصرة على الداخل فحسب، بل إن استدامة التنمية الصينية تفتح آفاقًا أوسع للعالم، مقدمةً فرصًا جديدة تقوي وتدفع التعاون والازدهار المشترك.
أسامة مختار
خبير بمجموعة الصين للإعلام