اضطراب الرسوم الجمركية: الصين تتحدى العدوان الاقتصادي الأمريكي
خاص موقع الصين بعيون عربية –
هەلو حسن سعيد:
في عالم يواجه تصاعد التوترات الجيوسياسية وحالة من عدم اليقين الاقتصادي، عادت ساحة التجارة الدولية لتصبح ميدانًا للمعارك. آخر التصعيدات؟ فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية شاملة تحت ذرائع متعددة—استهدفت تقريبًا كل شريك تجاري رئيسي، بما في ذلك الصين.
لكن بكين لم تلزم الصمت
ففي بيان جريء وواضح اللهجة، أدانت الحكومة الصينية هذه الخطوة، ووصفتها بانتهاك صارخ لقواعد منظمة التجارة العالمية، وتعدٍ خطير على الحقوق والمصالح المشروعة للدول ذات السيادة. ويتجاوز البيان مجرد الاحتجاج—فهو يقدّم نقدًا أوسع لمسار السياسة التجارية الأمريكية الحالية، التي ترى الصين أنها مدفوعة باستثنائية “أمريكا أولًا” وليس بسعي حقيقي للعدالة أو المعاملة بالمثل.
“الولايات المتحدة تستخدم الرسوم الجمركية كسلاح، منخرطة في لعبة صفرية تضعف النظام التجاري متعدد الأطراف”، جاء في البيان الصيني، مؤكدًا أن التنمر الاقتصادي والحمائية لا يخدمان سوى مصالح الهيمنة ويهددان استقرار الاقتصاد العالمي.
يعتمد رد الصين على إيمان قوي بالتعددية، والتنمية العادلة، والازدهار المشترك. وبوصفها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تعيد بكين تأكيد التزامها بالانفتاح على العالم، وتحسين بيئة الأعمال القائمة على القواعد، وتعزيز تحرير التجارة على مستوى عالٍ
لكن الرسالة تتجاوز المصطلحات الاقتصادية—فهي تتعلق بالحكم العالمي ودور القوى الصاعدة. فالصين تصوّر النزاع التجاري على أنه رمز لصراع فكري أوسع: الأحادية مقابل التعددية، الإقصاء مقابل الشمولية، والإكراه مقابل التعاون. ومن خلال تأكيد أن “التنمية حق عالمي لجميع الدول”، يرسم البيان خطًا واضحًا—إذ ترى الصين نفسها حاميةً للعدالة العالمية في عصر يتزايد فيه الميل نحو الحمائية.
وليس هذا مجرد خطاب. فالصين تملك سجلًا في التجارة والبنية التحتية العالمية—وخاصة من خلال مبادرات مثل “الحزام والطريق”—يعكس استراتيجية طويلة الأمد تركز على التكامل الاقتصادي والتعاون بين دول الجنوب. وتبقى البلاد مناصرة للعولمة في وقت بدأت فيه بعض القوى الغربية بالانكفاء إلى الداخل.
ومع ذلك، تكمن خلف اللغة الدبلوماسية رسالة تحذيرية حادة: “الصين لا تفتعل المشاكل، لكنها لا تخشاها.” ومن خلال هذه العبارة، توضح الحكومة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الضغوط أو التهديدات. وستتخذ تدابير دفاعية، كما تؤكد، لحماية سيادتها ومصالحها التنموية.
مفترق طرق عالمي
ما يجعل هذه اللحظة ذات أهمية خاصة هو أن العالم يراقب—ويختار موقفه. ففي ظل هشاشة سلاسل التوريد العالمية، واستمرار التضخم، والضبابية التي تكتنف التعافي ما بعد الجائحة، قد تؤدي العودة إلى الحروب التجارية القائمة على الرسوم الجمركية إلى تعميق الانقسامات. وتدعو الصين المجتمع الدولي إلى التمسك بالتعددية الحقيقية ورفض عودة النزعة الاقتصادية القومية. ويجب، كما تصر بكين، ألا يتراجع العالم نحو العزلة أو المواجهة.
فالطريق إلى الأمام يجب أن يكون مبنيًا على الاحترام المتبادل، والنمو المشترك، والحوار الشامل. وفي صميم هذه القضية يكمن سؤال عن الرؤية: هل سيتشكل مستقبل التجارة العالمية على يد الهيمنة والانقسام—أم على يد التعاون والتعايش؟ إذا كان بيان الصين مؤشرًا، فإن بكين قد اختارت طريقها. والآن، على العالم أن يقرر: هل يواجه أم يتعاون؟
—
عن الكاتب
هەلو حسن سعيد هو كاتب وصحفي من إقليم كردستان العراق. وهو عضو في الاتحاد الدولي للصحفيين ومؤلف لكتابين عن جمهورية الصين الشعبية. تركز أعماله على التجارة العالمية، والسياسة الخارجية الصينية، والدبلوماسية الثقافية بين الصين والشرق الأوسط.